Uncategorized

يحصي ما عنده من أسباب للبقاء حياً

لا مهرب من الفكرة، أياً كانت الفكرة حتى لو اعترف أنها مولود مشوه لذاكرة انتقائية. فلا مخاض يكفي فكرة سائغة. ما الفكرة السائغة؟

رغما عنه يفكر. أن يوجد أي أن يكون ضحية لما شاء له عقله أن يفكر، وفكرة تلد أخرى .. تتكاثر، تتناثر .. يصعب رصدها أواحتواؤها، كما ينسل الدخان من يديك إن حاولت تمسكه.

_______________

لكنه يحتال، يهرب من الواقع إلى ما وراءه، لم يسأل يوماً: ما وراء الواقع؟ يواري فرط حساسيته بالخيال والشرود، يحسب أنه يتملص من الحياة العادية خشية أن يضيّع نفسه بين ركام ثرثرة الناس اليومية، ويتغافل عن الثمن.

متهمٌ دائما بفضح نفسه مهما اجتهد بإضمار فحشه الداخلي بالمجازات. وهكذا يكون ضحية العيب من الآخرين، وأحيانا من نفسه إن فشل في الإفلات من أن يكون الآخرين. مهما مر بعُصاب، عليه أن يقاتل الكلام كي لا يظهر شفافاً .. يرتدي اللغة غطاء ما يكفي كي لا يُمحى.

_______________

من يفقد المعنى في حياته معرض للعُصاب. ففي اللحظات التي تسعر فيها رغبته بالموت… مثلا، يظل يكتب، يكتب ليجرّد رغبته تناقضاً، ظناً منه أن الكتابة فعل حياة، بحث عن معنى. لحظة! لا أظنه يعرف لماذا يكتب.

أو لحظة! ما الذي يعنيه أن يشتهي الإنسان الموت أصلاً؟ عطلا في ملايين السنين من تطور غريزة البقاء. كيف يسمح لنفسه أن يكون حكماً.لمَ يبيح إنسان هلاكا .. صرخةً في وجه الطبيعة حتى لو لم تكن ثمة آذان تصغي؟

_________________

ليلة قمرية كانت، في منتصف شهر ديسمبر

. والسحب ترسم السماء لوحةً، ونسيم بليلٌ يدب على جلده، قطرات ندية تعكس أضواء الطرق على الأشجار. كل شيء كان يمكن أن يذكره أن احتمال العيش ممكن.

كان متيقنا أن لحظة النظر إلى السماء خارجاً تكفي لزرع أمل خفي مهما بلغ من فتور. لكن روحه مركونة في الغرفة، محاطة بجدران إسمنتية وفوضى أعمال يومية مؤجلة، وأوساخ وجبات اليومين الماضيين.

روحه مثقلة بألف فكرة مثل؛ كيف ينبغي أن يعيش المرء حياته؟ هل كان عليه الخروج حينها؟ لا يملك أحد علماً يكفي يجرؤ فيه على الإجابة. وهو يعرف أن العالم ماض بتفاصيل هائلة تغمر مشاعره، ليسهل أن يردد في نفسه: كم أنا تافه!

________________

أترى يعرف أن جناحاً يمد إليه، قادراً أن يجتثه من كونه عطبا آخر على الأرض؟

يحاول الوقوف بلا قدمين على أمل أن يكون صالحا يوما ما للطيران. يدرب قدرته على الحلم ليمر اليوم بسلام.

لم تظهر فجأة. كانت هنا، كأن عقله أخذ على عاتقه مهمة أن يشرده عنها. كانت هنا واضحة، ملاكا بألف جناح يسد أفق السماء. هل كانت أكبر من أن ينتبه؟

يعي تماماً أن بصيرته أسيرة غشاوة حالكة السواد.

كي يستشعر وجودها، عليه أن يمد روحه يداً، مضحياً بأفكاره الدؤوبة عن كل شيء.أن يكون إنساناً آخر، متنازلاً عن نفسه
العصابية اللحوحة.

____________

جهاد النفس هو جهاد العادة … أظنه يدرك ذلك جيداً.

بالنسبة له، أن يبدأ الآن … يحصي ما عنده من أسباب للبقاء حياً، ليمر الوقت، أي أن يثق بالزمن. أن يعترف ولو للحظة في حياته أن الكون قد يكون -في لحظة ما ملائكية- صوابا وأنه الغلط.

Leave a comment