Uncategorized

في سبيل الهروب من هذه الليلة

الليلة  … هذه الليلة، بدت أنها لن تنقضي، جاثمة على صدري، تجر مرهِقةً كلَّ نفس أشهقه، ويفر كل زفير منها هلعاً، يتسارع كل نفس على إيقاعَ نبضات قلبي، كأني أهرول لمسافات وأنا ممدد على سريري لا حول لي ولا مقدرة في أن أتحكم بكل هذا، لا طاقة لي حتى في الرغبة بأن أضبط تنفسي. أطالع السقف الأبيض بديكوراته وزخارفه المبتذلة وأتساءل عن معناها .. “لماذا أفعل ذلك؟” أتساءل حول تساؤلي. وتلتف كل فكرة حول الأخرى ولا تولد شيئاً سوى الفوضى، أتقلب كأني أنقّب في كل جهة عن مسكن معجز لما يدور في رأسي مهدئاً أسخف الأفكار وأقبحها التي صارت تتسرب إلى رأسي بلا سابق إنذار، لا أدري هل أنا وسط حلم عبيط أم أن قواي العقلية بدأت تخور.

الوقت بطيء، كأني أسمع كل ثانية إيقاعاً نشازاً. عجيب كيف يتأنى الوقت بمجرد أن تنتبه إليه، في الحين الذي ترجوه أن يتعجل قليلا، حين تبدو نجاتك رهينة الإغفال، كل ما أحتاجه الآن، أن تنقضي الليلة .. أو ينقضي كل شيء بإغماضة عين، لكن الوقت في هذا الحين يتلكأ ناصبا نفسه شيطانا على قلقك. أحاول دفعه ثانية ثانية، كأن أمسك هاتفي، أتجول في برامج تافهة، علّي أشرد قليلاً، لكنه يتكاثر كل ثانية تلد أخرى ولا شيء يستحق النظر إليه، أخبار كرة سلة، أخبار كرة قدم .. أي شيء … أي شيء. أغمض عيني ثانيةً، ألاحظ سرعة تنفسي، فيزداد سرعةً عناداً.

لا أريد أن أستسلم تماماً لشعوري بالعجز، وفي نفس الوقت لا أجد سبباً كي لا أفعل. ربما أكون معتاداً أن أظل في القاع وأن أقول بكل أسى .. لا بأس طالما سأبقى في القاع، لكن العقدة تكمن في التباين، كجنس بشري لا نقدر إلا أن ننسب شعورنا إلى ما نعرفه، كأن تتعلق بأمل يرفعك .. يعلو بك إلى ذهن صافٍ قادر أن يبني أحلاماً ومشاريع مستقبلية، فتسقط. ولم تكن النازلة استعارة إلا في شعورنا بالانقباض جراء السقوط، ولا معنى للذعر فيه إلا لأننا نعرف الصعود والاستقرار، وأسوأ سقوط حين يأتيك بغتة بلا تمهيد، حين تنظر إلى السماء وتحسب أنك اقتربت، اقتربت إلى ما ينتشلك من الأرضي فيك، فتنقلب السماء أرضاً فجأةً. ولكن ثمة نوع آخر أيضاً، حين تتوهم العلو، تحسب فيه أنك ترتفع في حين أنك مازلت عالقاً في القاع، فيأتي السقوط مجازاً، سقوطٌ يقظةٌ، سقوط بلا قمة، إخطار بخيبة منسية.

أقول في نفسي، ليست نهاية العالم. مازال هناك متسع للتغيير. لكن هنا تكمن الورطة، رغبتي في التغيير مخدرةٌ وفي ذات الوقت نفسي تتوق أن تتغير الآن. هل أستطيع أن أتغير فعلاً؟ مثلاً.. التنفس، تصورته سلوكاً يخضع لإرادتي الكاملة، ويحرضني لأسأل أتفه ما يمكن أن يُسأل حول طبيعة النفس الإنسانية وحرية الإرادة، أستطيع أن أتحكم بتنفسي لثوان حين أقرر ذلك، لكنه يفلت حين أتركه للسجية وأفقد الانتباه، يتعجل في التدفق كأنه يحاول الهروب. لا وقت الآن لهذا، أنا ببساطة لا أحتمل الوضع، الآن لابد علي أن أتصرف حالاً وإلا سأظل مستعراً طوال الليلة على السرير، ليلة لا نهاية لها.

قمت، الخطوة الأولى أن أقف على قدمي دون انهيار مدوّي، أتمهل في رفع ساقي لئلا أترك المجال لهبوط في ضغط الدم، وما إن نجوت في وضع قدمي سالما على الأرض، يمكنني أن أكافئ نفسي ب 30 جرام من النيكوتين لكل مل، أسحب ما يعادل 5 جرام نيكوتين، تقريبا؟ أياً كان، ما يكفي لأكون معلقاً بين سكتة قلبية محتملة وزوال همتي في الوقوف.

في هذه اللحظة العالقة، يمكنني أن أجرب كل ما يحضرني من طرق التخلص من هذه الحالة، لا حل أمامي .. الليل طويل لا أريد أن أظل عالقاً. خطتي ستكون كالآتي: إن لم أملك القدرة على تغيير نفسي الطارئة، فليس أمامي سوى أن أخادعها، بمهارات ماكر محترف، يمكنني أن أحتال عليها بالأشياء الصغيرة التي لا تعني شيئاً، أزيف نفسي بحركات تلقائية لا تتطلب مثابرة. أقول في نفسي: سأقف ليس لأصلح نفسي بل لمجرد أن أقف. سأضع مخططاً للغد، سأعد نفسي لأواجه المستقبل القريب بكل تفاصيله مهما بدت منهكة: سأستيقظ ساعة قبل عملي، جدول من التمارين يمكن أن يدفعني قليلاً لأنشط، سأجهز اللابتوب، وأوصله بلوحة مفاتيح خارجية حتى يسهل علي إعادة كتابة تقرير أسبوع الماضي.

أما الآن، سأبدأ بتنفيذ خطتي، سأستحم بماء حار، يسبل على جسمي ويذكرني أن كل شيء يمكن أن يكون بخير، سأستخدم كل ما عندي من منظفات ومستحضرات، أي مستحضرات؟ كل أملك هو شامبو وبلسم، أظنه يكفي. وشامبو وبلسم آخرين لتنعيم شعر اللحية الكثة، استعرتهما من صديقي وأظن حان وقتهما. سأحرص أن أهذب اللحية بشفرة حلاقة حادة ما يكفي على الأطراف كي يتناسق مظهرها مع استطالة وجهي، وقد أجرح نفسي قليلاً، لكن لا بأس، المهم ألا تفلت يدي وتفسد شكل اللحية.

لن أصفف شعري في الليل، سأنتظر حتى الصباح، ربما يمكنني الرجوع إلى النوم في أي وقت من الأوقات، بدلاً عن ذلك سأنتقي ملابسي. سأنتقي ما يمكن أن يظهرني واثقاً، تذكّر: الخطة هي الخدعة. غداً … أو اليوم، سأرتدي قميصاً أبيض، لم ألبس قميصاً أبيض من قبل سيكون اليوم هو اليوم الأول، خاصةً أنني أخبئ حذاءً أبيض لم ألبسه من قبل أيضاً، له قاعدة سميكة يظهرني أطول بسنتمتر واحد تقريباً، ما يكفي لتعزيز مزيد من الثقة. لكن ستكون هناك مشكلة، لن أستطيع اختيار حزام متناسق، أو كيف يتناسق لون الحزام مع القميص والحذاء الأبيضين؟ سأتفقد ذلك ببحث سريع، وبناء عليه سيكون الحزام  بنياً أو أسود، وسأبدل لون أشرطة ساعتي ليتناسق مع الحزام. سأجهز الماء في الثلاجة ليكون بارداً وجاهزاً للصباح. صحيح، نسيت! عليّ أن أكوي قميصي سأكتفي بتعليقه فقط لأني أخشى أن يتلف قبل محين الصباح.

أظنني سأكون جاهزاً الآن، سيكون المنبه الساعة السابعة صباحاً، ثلاث ساعات للنوم تكفي كي أعد ليوم جديد، لن أكون طازجاً بما يكفي، لكنه كفيل ليصحبني إلى يوم آخر.

لكني لم أفعل أيا من هذا، ظللت على السرير ممدا أكتب هذه القصة.

Leave a comment